الدولة الحمدانية أو كما تعرف أيضًا باسم الإمارة الحمدانية أو دولة بني حمدان أو الحمدانيين، هي دولة وإمارة إسلامية شيعية تأسست على يد أبي محمد الحسن بن أبي الهيجاء المعروف باسم ناصر الدولة في مدينة الموصل بالعراق، ثم امتدت إلى حلب وشمال الشام وأجزاء من جنوب الأناضول، وقامت هذه الدولة أيام الخلافة العباسية –في وقت الضعف– حينما ولى الخليفة العباسي أبا الفضل جعفر المقتدر ناصر الدولة على مدينة الموصل، ولأن الأخير كان طموح سياسيًا سعى منذ توليه أن يكون له إمارة خاصة به، واستمرت الدولة الحمدانية منذ عام 930م حتى سقوطها عام 1003م حينما قام الفاطميون بدخول مدينة حلب وفتحها وإسقاط الدولة الحمدانية في الشام بعد أن زالت في الموصل قبل ذلك.

أصل الدولة الحمدانية

يعود أصل الحمدانيين إلى أبي العباس حمدان بن حمدون التغلبي، وهو جدهم الأكبر، الذي يعود أصله لقبيلة تغلب العربية العدنانية، ويُعدّ أقدم فرد في الأسرة الحمدانية وأنجب ثمانية أبناء وهم: أبو إسحاق إبراهيم وأبو علي الحسين وأبو السرايا نصر وأبو العلاء سعيد وأبو سليمان داود وأبو الهيجاء عبد الله وأبو الوليد سليمان وعلي، وأشهر أبنائه هو أبو الهيجاء عبد الله الذي أنجب ولدين، وهما: الحسين ناصر الدولة مؤسس الدولة الحمدانية في الموصل وعلي سيف الدولة مؤسس فرع الحمدانية في حلب، أما باقي الأخوة فلم يكن لهم دور قوي يذكر في تاريخ الأسرة.

وكانت قبيلة تغلب في الجاهلية تعيش في هضاب نجد والحجاز وتخوم وتهامة، وضاق بهم موطنهم بسبب الصراعات التي خاضوها مع قبائل أخرى مثل قبيلة بني بكر وبني يربوع وبني شيبان وبني سعد بن تميم وغيرهم، الأمر الذي أجبرهم على الهجرة شمالًا حيث ديار ربيعة أسفل مجرى نهر الفرات، ومن ثم تمركزوا بحلول القرن السابع الميلادي / الأول الهجري في وسط الجزيرة الفراتية، تحديدًا بين قرقيساء وسنجار ونصيبين والموصل من ناحية الشمال، وبين عانة وتكريت من ناحية الجنوب.

وكانت قبيلة بني تغلب تدين بالمسيحية في الجاهلية بسبب علاقاتها مع الروم، وظل معظمهم على هذا الدين حتى بعد ظهور الإسلام، وبعد أن زالت الدولة الأموية التي كان بنو تغلب يساندوها، ضاعوا في خضم الأحداث العسكرية الصعبة والأوضاع السياسية التي تبعت قيام الدولة العباسية، وقام الحمدانيون الذين انحدروا من بني تغلب (والذين كانوا مسلمين شيعيين) في ظل الظروف التي كان يمر بها العصر العباسي الثاني بإنشاء قواتهم العسكرية الخاصة التي مكنتهم من تأسيس دولتهم في الموصل وحلب.

نشأة الدولة الحمدانية

بعد أن ولى الخليفة العباسي أبا الفضل جعفر المقتدر ناصر الدولة على مدينة الموصل، سعى الأخير لتكوين إمارة خاصة به واستخدم القوة العسكرية للسيطرة على عدة بلاد في شمال العراق، ثم طلب من الخليفة العباسي الأمان والاعتراف بسلطته على هذه البلاد، فوافق الخليفة على ذلك مقابل مبلغ من المال يدفعه ناصر الدولة ضمانًا، ومن هنا بدأ ناصر الدولة في تقوية نفوذه وزيادته في شمال العراق، وقام بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية التي أدت لانتعاش إمارته وتحسين وضعه الاقتصادي، ثم ما لبث أن استبد بالسلطة بحيث عجزت الخلافة العباسية عن مواجهته.

وحين قام البويهيون بالاستيلاء على الحكم في بغداد، أجبروا الدولة الحمدانية في الموصل على الانكماش ودفع الجزية لمعز الدولة البويهي، ومن جانب آخر قام سيف الدولة، أخو ناصر الدولة، بمغادرة الموصل والاتجاه إلى شمال الشام، حيث استولى على مدينة حلب وضواحيها عام 944م بعد أن كانت في يد الإخشيديين، وحاول سيف الدولة توسيع رقعة أرضه ناحية الجنوب، فاستولى على حمص لكنه فشل في السيطرة على دمشق.

واشتهر سيف الدولة في التاريخ العربي الإسلامي بصورة كبيرة بسبب بسالته وتصديه للروم البيزنطيين الذين حاربوا الدولة العباسية في شمال الشام، بجانب أن شهرته جاءت أيضًا بفضل تشجيعه للعلم والأدب، واستمرت الدولة الحمدانية في الموصل وحلب قرابة 77 سنة، منها 59 سنة في حلب وحدها، وكان هذا العصر يعرف باسم العصر الذهبي للدولة الحمدانية، وبعد وفاة سيف الدولة تولى ابنه سعد الدولة الحكم وخلفه ابنه سعيد الدولة حتى قام الفاطميون بإرسال جيش كبير على المناطق الحمدانية، واستطاعوا السيطرة عليها وإسقاط الدولة عام 1003م بعد وفاة سعيد الدولة.

إنجازات الدولة الحمدانية

برعت الدولة الحمدانية في العديد من المجالات وكان لها الكثير من الإنجازات لا سيما في مجال العمارة، حيث قام سيف الدولة بتشييد قصره المعروف باسم قصر الحلبة عند سفح جبل الجوشن، والذي يعد من أفخم المباني وأكثرها جمالًا بنقوشه وزخارفه المميزة، واهتم أيضًا بتشييد المساجد والحصون والقلاع المنيعة كذلك وبناءها.

أما الحياة الفكرية والثقافية فنشطت كثيرًا في عهد الحمدانيين، حيث اهتمت الدولة بالأطباء والعلماء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء وقامت برعايتهم، وجذب بلاط سيف الدولة العديد من العلماء والشعراء مثل المتنبي والنحوي وأبي فراس الحمداني (ابن عمه) وابن خالويه وابن جني والفارابي وغيرهم.

وعلى صعيد آخر، كانت الحياة الاقتصادية في الدولة الحمدانية منتعشة ومزدهرة في العديد من المجالات، سواء في الزراعة وتنوع المحاصيل من حبوب وفاكهة وثمار وأزهار، أو في مجال الصناعة بفضل تلك المزروعات مثل صناعة زيت الزيتون والزبيب، أو الصناعات الأخرى مثل الحديد والرخام والصابون والزجاج والسيوف والكبريت وغيرهم.

نهاية الدولة الحمدانية

بعد أن توفى سيف الدولة الحمداني عام 967م بدأت الدولة الحمدانية تضعف، وتولى ابنه سعد الدولة الحكم بعده، وبعد أن توفى الله سعد الدولة جاء في الحكم بعده ابنه سعيد الدولة، الذي كان إلى جانبه قائد يسمى لؤلؤ "والد زوجته" الذي طمع في الحكم وزج سعيد الدولة بالسجن، وطلب من العبيديين الحماية الذين دخلوا إلى حلب لمساندته، وفي عام 1003م توفى سعيد الدولة فاستغل الفاطميون الأمر ودخلوا حلب واستولوا عليها وبهذا سقطت الدولة الحمدانية تمامًا.