العصور الكلاسيكية القديمة أو العصر الكلاسيكي القديم، كلها مصطلحات تشير إلى فترة من تاريخ الثقافة البشرية، التي تمتد من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الخامس للميلاد، وتركزت حضارة العصر الكلاسيكي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص، وازدهرت في هذه الفترة حضارتا كل من الإغريق والرومان، فيما يُعرف كذلك بالعالم اليوناني والعالم الروماني، وكانت هاتان الحضارتان رائدتين في مجالات التطور الثقافي والمعرفي آنذاك، وتركتا خلفهما إرثًا كبيرًا امتد إلى جميع أنحاء أوروبا وشمال إفريقيا وغرب آسيا.

خلفية تاريخية

تعد الملاحم الشعرية التي كتبها هوميروس هي البداية الفعلية للعصور الكلاسيكية القديمة، والتي امتدت حتى انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس للميلاد، ولعبت الثقافة اليونانية والرومانية دور كبير في تشكيل الحضارة الغربية، حيث إنها كانت اللّبِنة الأساسية في صنع الكثير من المجالات، بما في ذلك العمارة والقانون واللغة والشعر والسياسة والفلسفة والبلاغة والفن، وبدأت العصور القديمة في أعقاب ما يُسمّى بالعصر اليوناني المظلم، والذي كان يتصف بانهيار المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على مواقع الحضارة الميسينية، وفي خلال الفترة القديمة ازداد عدد السكان اليونانيين وتأسست دول المدن (بوليس) والتي كان من أبرزها أثينا، ووضع الشاعر ورجل القانون سولون أسس الديمقراطية من خلال إيجاد إصلاحات وحلول لمواجهة الانحدار الأخلاقي والاقتصادي، ونمت في هذه الفترة الأبجدية اليونانية التي تراجعت في العصور المظلمة وازدهر الأدب على نطاق كبير للغاية.

العمارة في العصور الكلاسيكية القديمة

تطور فن العمارة في العصور الكلاسيكية القديمة تطورًا كبيرًا، حيث تمّ فيها استبدال البناء الخشبي بالبناء الحجري والرخامي وكانت العمارة قائمة على استخدام الأعمدة والأقواس، حيث كانت الأعمدة مصممة لتحمل المبنى بأكمله، وكان العمود هو الوحدة الأساسية في إنشاء جميع المباني، والذي استُخدم في البداية للديكورات الداخلية والمعابد الصغيرة، وبحلول القرن الخامس قبل الميلاد أصبحت الأعمدة تُستخدم لتشييد المسارح والقاعات الكبيرة، وفي فترة العصر الهلنستي على وجه التحديد تمّ إخراج هندسة معمارية تتميز بالثراء ومراعاة أدق التفاصيل، مع مبانٍ ضخمة في معظم الأحيان، وتميزت المباني العظيمة بأنها مدنية وليست دينية في معظم الأحيان، أما الرومان فأخذوا النمط الهندسي المعماري في الأعمدة، ولكنهم أصبحوا يستخدمون العمود ديكور متناظر وليس فقط لتأدية مهمته الوظيفية في حمل المبنى، وتوسع الرومان في تشييد المعابد الدينية، التي تميزت بتوفر المساحات الداخلية، مما يمنح المكان حجم أكبر، وبالتزامن مع اكتشاف الخرسانة طور الرومان من مبانيهم وتفننوا في صناعة الأقواس والقباب كما هو الحال مع معبد البانثيون، ومن أشكال المباني العامة الرومانية الأخرى المدرجات والبازيليكا والحمامات وأقواس النصر، ويُشار في بعض الأحيان إلى عمارة ما بعد الحضارتين اليونانية والرومانية بالعمارة الكلاسيكية أيضًا، نظرًا للتأثير الواسع لهندسة العمارة في هذه الفترة.

الأدب في العصور الكلاسيكية القديمة

كانت الفترة الكلاسيكية القديمة عصرًا ذهبيًا للأدب والفنون، ومن بين كبار الأدباء في هذه الفترة كان كتّاب ملاحم وشعراء يونانيون ورومانيون، مثل هوميروس الذي كتب الملحمتين الشعريتين الإغريقيتين الإلياذة والأوديسة، وكذلك الشاعر الروماني فيرجيل الذي كتب الملحمة الشعرية الإنيادة، وأطلق الفلاسفة اليونانيون أفلاطون وسقراط وأرسطو على هذه الفترة اسم وطن، وهذا ما فعله كذلك المسرحيون اليونانيون مثل يوريبيديس وأريستوفانيس، أما الشعراء فكان من أكثرهم تأثيرًا أوفيد وهوراس، وسار الأدباء اللاحقون بدءًا من عصر النهضة على خطى الأدباء والكتّاب الكلاسيكيين، وهو ما ولّد مسمى الكلاسيكيات الحديثة أو الأدب الكلاسيكي الجديد.

القانون في العصور الكلاسيكية القديمة

ساهمت فترة العصور القديمة في تأسيس الأنظمة القانونية التي ما تزال سارية في العديد من الدول حتى اليوم، فجذور النظام الأمريكي المعمول به الآن تعود إلى النظام اليوناني القديم، حيث لم تكن هناك حاجة لكلية الحقوق، فالمحامي لم يكن جزء من العملية القضائية، وبدلًا منه كان يمثّل كل فرد قضيته بنفسه، من خلال مناقشتها مستعينًا بخطاب محضّر مسبقًا قد يساعده في تحضيره كاتب خطابات مقابل أجر، ولم يعيّن اليونانيون القدماء قضاة لإصدار الأحكام، وبدلًا من ذلك استخدموا هيئات محلفين، قد يصل عدد الهيئة أحيانًا إلى 500 محلف، ولم يمدّد إصدار الأحكام في القضايا لأيام أو أسابيع، حيث كانت هيئة المحلفين تصدر حكمها بنهاية جلسة الحكم في نفس اليوم، أما في روما القديمة فكانت الأنظمة القانونية مكتوبة على ما يسمى الألواح الاثني عشر، التي يتم من خلالها إصدار الأحكام على القضايا، واستمر القانون الروماني ساري المفعول على مدى أكثر من 1500 عام، وكان من ضمنها قانون جستنيان الذي وضعه الإمبراطور جستنيان، وهو مجموعة من القوانين الرومانية التي شكّلت أساس القانون المدني في بعض الدول الحديثة.

8 حقائق مذهلة عن فترة العصور الكلاسيكية القديمة

تضم العصور الكلاسيكية القديمة كل من حضارتي اليونان القديمة وروما القديمة، وسمّيت بعد ذلك باليونانية الرومانية، وكان الإغريق القدماء متقدمين جدًا في الفلسفة والعمارة والرياضيات والأدب، ومن أبرز الحقائق حول هذه الفترة ما يلي:

  • الملح عملة

كان الإغريق والرومان يقايضون الملح بالبشر، حيث كانت ثقافة استبدال العبيد بكمية محددة من الملح شائعة آنذاك، ونمت هذه التجارة بسبب شح الملح وندرته، وكان المصريون والفينيقيون شركاؤهم التجاريين الأساسيين.

يرجع الفضل الأول في نظرية مركزية الأرض إلى الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني أرسترخوس ساموس، حيث وضع ساموس في القرن الثالث قبل الميلاد النموذج الأول لمركزية الشمس التي تدور الأرض حولها مرة في اليوم ومرة في السنة.

  • الإله غير معروف

كان الإغريق والرومان قديمًا يعبدون إلهً غير معروف، فعلى الرغم من تعدد الآلهة المذكرة والمؤنثة، لم يكن لها مجسّم أو اسم أو جوهر محدد، وكانت هناك معابد خاصة لعبادة الآلهة المجهولة.

  • أعياد الميلاد والشموع

يُعتقد أنّ شموع أعياد الميلاد تعود إلى فترة العصور الكلاسيكية القديمة، عندما ابتكر الإغريق الكعك المزين بالشموع المضاءة، وكانت الشموع في ذلك الوقت ترتبط بالمعتقدات والطقوس الدينية.

  • مدينة العبيد

كان نحو 90% من سكان مدينة أثينا من العبيد، وكانت العبودية في فترة العصور القديمة سلوك مقبول وطبيعي تمامًا، وكان العبيد الذين تمّ جلبهم للعمل والخدمة محظورين من المشاركة السياسية، التي اقتصرت على المواطنين فقط.

  • الذهاب إلى الصالات الرياضية دون ملابس

شهدت فترة العصور الكلاسيكية تطور هائل في المجال الرياضي واعتاد اليونانيون الذهاب إلى صالات الألعاب الرياضية من دون ملابس، ولكن كان هناك تردد بالاستمرار في هذه الممارسة لاحقًا لدى الرومان.

  • دورة الألعاب الأولمبية القديمة

كانت الألعاب الأولمبية في الفترة اليونانية القديمة تقتصر على المواطنين الذكور فقط، ولم يُسمح للإناث المشاركة فيها، ولم يُسمح بممارسة أي نوع من أنواع الحرب أو العنف خلال الشهر الذي يسبق بدء الألعاب الأولمبية، وكان الناس يتوافدون من جميع أنحاء العالم لمشاهدة هذا الحدث، لذلك كان يُرفع العلم الأبيض رمزًا للسلام لمدة شهر هناك.

  • ثقافة المصافحة

يُعتقد أنّ ثقافة المصافحة كتحية تعود إلى العصور الكلاسيكية القديمة، وبالرغم من ذلك لا يُعرف تمامًا إذا ما كانت المصافحة في ذلك الوقت ترمز للتحية كما هو عليه الآن أو أنها ترمز لشيء آخر مختلف.