في عام 567هـ/ 1171 م أسقط صلاح صلاح الدين الأيوبي الخلافة الفاطمية التي كانت تتخذ المذهب الشّيعي مذهبًا رسميًا لها وبهذا عادت مصر تحت حكم الدولة العباسية بعد أنّ سيطر الفاطميون عليها لمدة تزيد عن 250 عامًا، فحكم نور الدين زنكي مصر وعين صلاح الدين الأيوبي وزيرًا له، وبعد وفاته تمت البيعة لصلاح الدين الأيوبي أول سلطان لمصر، فأسس دولته في مصر وأطلق عليها اسم الدولة الأيوبية نسبةً له، وهي دولة مُسلمة ذات أصول كردية بدأت من مصر وامتدت فيما بعد إلى بلاد الشام واليمن والحجاز وأجزاء من شمال إفريقيا والنوبة الشمالية وبرقة وطرابلس وشمال العراق موطن أسرته الكردية.

سياسات صلاح الدين الأيوبي في مصر

بعد أنّ عُين صلاح الدين سلطانًا لمصر أخذ على عاتقه تحويل مصر من المذهب الشّيعي الذي ساد لسنوات إلى المذهب السّني وبناء دولة إسلامية مُزدهرة في المنطقة، ولتحقيق ذلك اتبع عدة سياسات نذكر منها:

  • قمع الانتفاضات التي قامت ضده من مؤيدي الدولة الفاطمية وأهمها انتفاضة حرس القصر الفاطمي.
  • نشر المذهب السني والقضاء على المذهب الشيعي.
  • إعفاء جميع سكان مصر من الضرائب التي فرضتها عليهم الدولة الفاطمية واكتفى بوضع الضرائب التي أقرتها الشريعة الإسلامية وهذه الخطوة زادت من شعبيته وساعدت في استقرار نظامه.
  • معاملة مسيحي مصر بالتسامح ومنحهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية وفي عهده ازدهرت الكنيسة القبطية، وفي الناحية السياسية سمح لهم بتولى مناصب في الدولة.
  • تعزيز التحصينات الدفاعية ومنها بناء قلعة ومد أسوار المدينة.
  • السّماح ببقاء حركة التجارة بين مصر والمدن الإيطالية.
  • إنشاء المدارس والمستشفيات العامة وإغلاق مراكز التعليم الشيعية.

وبهذه السياسات وغيرها أصبحت مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي دولة ذات قوة سياسية وعسكرية مُهيمنة وغدت مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا رائدًا في المنطقة بعد أنّ عم الفساد والفوضى بها خلال عهد الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله وهو آخر الخلفاء الفاطميين.

توحيد مصر وبلاد الشام

بعد وفاة نور الدين زنكي نشبت عدة خلافات بين الأمراء كادت أن تودي بحالة من التمزق والانقسام بين المسلمين، وسبب هذه الخلافات أنه عندما توفي نور الدين زنكي لم يكن له من الأبناء سوى ابنه إسماعيل البالغ من العمر 11 عامًا وبعد عدة مناوشات تقرر تعيين الصالح إسماعيل خلفًا لوالده وتعيين شمس الدين محمد بن عبد الملك قائدًا للجيش، ولكن بسبب جهل الوالي الجديد وصغر سنه كانت دمشق مُحاطة بخطر الأمراء الطامعين وخطر الإحتلال الصليبي، فأرسل رجالات الشام لصلاح الدين الأيوبي يستنجدون به للتدخل، فأرسل صلاح الدين برسالة إلى الخليفة العباسي يطلب منه الولاية على دمشق للقضاء على المطامع والخلافات فيها وليشرف بنفسه على تربية الصالح إسماعيل وتوجيهه نحو الصواب.

وفي تاريخ 570 هـ/ 1174 م، تسلم صلاح الدين الأيوبي دمشق، وفي نفس العام دخل مدينة حلب وحماة، وبعدها اعترف الخليفة العباسي آنذاك بسلطته على مصر والشام، ولكن عندما أراد دخول حلب واجه مقاومة من الملك الصالح إسماعيل ووالي إمارة الموصل عز الدين مسعود، ففرض عليها حصارًا لفترة قصيرة ثم تمكن من دخولها.

توسع الدولة الأيوبية

طمح صلاح الدين الأيوبي بتوسيع مملكته فأراد ضم اليمن واتخذ خطوته هذه بسبب مناشدات أهلها له بالتدخل ومطالبته بالولاية على البلاد بسبب ما كانت تشهده من نزاعات وانقسامات كونها كانت تابعة للدولة الفاطمية المنهارة، ولبى صلاح الدين النداء وأرسل أخاه توران إلى اليمن عام 569 هـ/ 1173 م ودخلوا عدة مدن منها ما دخلوها بسهولة وأخرى دخلوها بعد عدة مواجهات.

العلاقات الأيوبية مع الصليبيين

مرت العلاقات الأيوبية الصليبية بمرحلتين الأولى امتدت من عام 570هـ / 1174م إلى عام 582هـ / 1186م وخلال هذه المرحلة كان صلاح الدين الأيوبي مشغولًا بتوحيد الجبهة الإسلامية، لذلك وَقّع صلاح الدين الأيوبي عدة معاهدات مع الصليبيين، أما المرحلة الثانية، والتي امتدت من عام 576هـ / 1180م إلى عام 581هـ/1185م، تضمنت حشد الهمم لتحرير البلاد الإسلامية من قبضة الصليبيين، وكانت البداية عندما نقض الملك الصليبي أرناط معاهدته مع صلاح الدين فتعرض لأحد القوافل التجارية بأرض الكرك ونهب أموالها وقتل بعض رجالها وأسر الآخرين، فأرسل إليه صلاح الدين يُقبح فعلته هذه وغدره للعهد الذي كانت تنص أحد بنوده بعدم اعتراض الجيوش الصليبية للقوافل التجارية بين القاهرة ودمشق وتأمين الحماية لها، ولكن أرناط رفض استقبال رُسل صلاح الدين، وردًا على هذا الرفض جمع صلاح الدين الأيوبي عساكره واستعد لحرب أرناط.

حينما علم الصليبيون باجتماع الجيش الأيوبي استدعوا للقاءه، ولمنع وصول الإمدادات الأوروبية للصليبيين حاصر الجيش الأيوبي المدن الصليبية الواقعة على الساحل وبتاريخ 583هـ/ 1187م حقق صلاح الدين وجيشه أعظم الانتصارات بالتاريخ الإسلامي عندما حرروا مدينة القدس ودخلوها منتصرين في المعركة التي لا تخفى على أحد ألا وهي معركة حطين، بعدها حرر الجيش الأيوبي سواحل الشام بما في ذلك فلسطين ولبنان، ومن الجدير بالذكر أنّ الصليبيين أعادوا احتلال القدس خلال الحملة الصليبية الثالثة، وفي عام 643هـ / 1245م في ظل حكم السلطان الصالح نجم الدين والي مصر حُررت القدس ومن بعدها بقيت القدس حُرة إلى أنّ دخلها الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى.

وفاة صلاح الدين الأيوبي وأحوال الدولة الأيوبية من بعده

في عام 589هـ/1193م أُصيب صلاح الدين الأيوبي بالحمى الصفراوية وعجز الأطباء عن علاجه مما أدى لتراجع حالته الصّحية وبتاريخ 4 مارس من ذات العام دخل في غيبوبة وتوفي رحمه الله في ذات اليوم ودُفن في دمشق بعد صراع مع المرض دام أسبوعين وكان يبلغ حينها 57 عامًا.

وقبل وفاته، قسم صلاح الدين الأيوبي دول المملكة الأيوبية بين أبناءه وأفراد عائلته فمنح ولاية دمشق لابنه الأفضل نور الدين، والكرك وبلاد جعبر والشوبك وعدة بلدان لأخيه العادل، واليمن لأخيه ظهير الدين، وجعل مصر في ولاية ابنه العزيز عثمان، وحلب لابنه الظاهر غازي غياث الدين، وحمص والرحبة لحفيد عمه أسد الدين شيركوه بن ناصر، ولكن الأفضل نور الدين علي لم يكن جديرًا بمنصبه ولم يكن أهلًا للزعامة ولم يستطع إدارة مملكة دمشق وتخلى عن الأمراء والمستشارين الذين عينهم والده فهربوا إلى مصر وشكوا حالهم للعزيز عثمان وأخذوا يحرضونه على أخيه مما أدى لنشوب الخلافات بين الأخوين والتي استمرت لمدة سبع سنوات، وفي عام 596هـ/ 1200م وحد العادل شقيق صلاح الدين الدولة الأيوبية تحت سلطته.

سقوط الدولة الأيوبية

في عام 615هـ/ 1218م شنّ الصليبيون الحملة الخامسة وكان هدفها احتلال دمياط وخلال حصارهم لها توفي السلطان العادل وخلفه ابنه الملك الكامل في حكم مصر، حينها توحد الأيوبيون ونجحوا في إفشال الحملة الصليبية في تحقيق مرادها، وبعد ذلك عادوا لخلافاتهم ونزاعاتهم الداخلية فطمع بهم الصليبيون، وفي عام 626هـ/1228م كانت الكارثة إذ وقع الكامل اتفاقية مع الإمبرطور فريدريك الثاني تنص على تسليم مدينة القدس للصليبيين، مما أثار موجة من السخط والغضب في العالم الإسلامي والعربي وكان هذا الاتفاق وصمة عار تلاحق الملك الكامل، وكانت هذه الاتفاقية فرصة لابن أخيه الملك الناصر للتخلص من عمه فأمر خطيب المسجد الأموي بتحريض المسلمين ضد عمه.

وفي عام 637هـ/ 1240م انتهى حكم العادل وانتقلت السلطة لأخيه الصالح أيوب وكان صاحب شخصية قوية استطاع السّير بالدولة الأيوبية نحو الأمام، ولكنه توفي في أثناء الحملة الصليبية التاسعة التي كانت بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا في عام 648هـ/ 1250م، فأخفت زوجته شجر الدر خبر وفاته واستمرت بإصدار الكتب والمراسيم باسم السلطان الصالح أيوب لحين قدوم ابنه توران شاه الذي اعتلى عرش مصر واستطاع صد الحملة الصليبية والإيقاع بالملك لويس التاسع أسيرًا، ولكن توران شاه كان شخصًا عابثًا سيء الخلق اتهم زوجة أبيه بسرقة أموال والده ووجه لها عدة اتهامات باطلة وهددها بالقتل، فتوجهت إلى المماليك واتفقت معهم على قتل توران شاه، فقتلوه وتخلصوا منه بعد 70 يومًا فقط من توليه الحكم، وبمقتله سقطت الدولة الأيوبية وقامت دولة المماليك.

أسس صلاح الدين الأيوبي الدولة الأيوبية وبقيت تحت حكمه لمدة عشرين عامًا وحد خلالها الدول الإسلامية وحقق عدة انتصارات على الصليبيين من أهمها فتح بيت المقدس في معركة حطين، ولكن بعد وفاته عمت الخلافات والنزاعات وتفككت الدولة الأيوبية وسقطت.