العصور الوسطى، أو كما تسمى أيضًا القرون الوسطى، هي فترة زمنية طويلة تمتد بين القرن الخامس للقرن الخامس عشر، والتي بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية وظلت قائمة حتى بدء عصر النهضة، وتتوسط فترة العصور الوسطى فترتا العصور القديمة والعصور الحديثة، وتنقسم فترة العصور الوسطى نفسها إلى ثلاث فترات، هي: الفترة المبكرة والفترة المتوسطة والفترة المتأخرة، وشهدت العصور الوسطى العديد من الأحداث المهمة والمؤسفة، مثل: الحروب الصليبية والمجاعات والطاعون والحروب الأهلية والثورات وغيرهم.

سبب تسمية العصور الوسطى بهذا الاسم

ظهر المصطلح الذي يرمز إلى فترة العصور الوسطى لأول مرة عام 1469م في اللغة اللاتينية (Media Tempestas)، والتي تعني الموسم الوسيط، وتغير المصطلح عدة مرات على مر التاريخ حتى ظهر مصطلح العصور الوسطى بمعناه الصريح في عام 1604م (باللاتينية: Medium Aevum)، واعتمد التقسيم الثلاثي للزمن، العصور القديمة والوسطى والمتأخرة في القرن السابع عشر، على يد المؤرخ الألماني كريستوف سيلاريوس، وجدير بالذكر أنه خلال القرن التاسع عشر سميت العصور الوسطى باسم العصور المظلمة، لكن مع وضوح تقسيم فترة العصور الوسطى لثلاث فترات، حُصر استخدام مصطلح العصور المظلمة على فترة العصور الوسطى المبكرة فحسب.

تقسيم العصور الوسطى وأهم ملامحها

تنقسم فترة العصور الوسطى كما قلنا إلى ثلاث فترات، هي العصور الوسطى المبكرة والمتوسطة والمتأخرة، وكل فترة من هذه الفترات لها ملامحها الخاصة التي يمكن توضيحها فيما يأتي:

العصور الوسطى المبكرة

يُطلق على هذه الحقبة اسم العصور المظلمة أيضًا، وهي الفترة التي تمتد من أواخر القرن الخامس إلى منتصف القرن العاشر، وأهم ما يميز هذا العصر هو سقوط روما وزيادة نشاط الفايكنج وانتشار الإسلام السريع في إسبانيا وشمال إفريقيا وانتشار المسيحية في معظم أنحاء أوروبا وظهور الباباوية ككيان سياسي له سلطة قوية، ويطلق أيضًا على الفترة التي امتدت من القرن الثالث إلى القرن السابع أو الثامن على وجه الخصوص اسم العصور القديمة المتأخرة في بعض الأحيان، ويرى بعض المؤرخين أنها فترة منفصلة عن العالم القديم والقرون الوسطى، بينما يرى البعض الآخر أنها جسر بين الاثنين.

العصور الوسطى المتوسطة أو العالية

غالبًا ما تمتد المرحلة الثانية من العصور الوسطى في الفترة بين القرن الحادي عشر حتى عام 1300 أو 1450م، وتميز هذا العصر بالعديد من الأحداث المهمة، مثل فتوحات النورمانديين في بريطانيا وصقلية والحروب الصليبية وتوقيع الميثاق الأعظم أو الماجنا كارتا، وتميز هذا العصر أيضًا بانتشار المسيحية ووصولها لكل جزء من أجزاء أوروبا "عدا معظم إسبانيا"، وشهد هذا العصر أيضًا صراع كبير بين البابوية والحكومات العلمانية، وظهرت الإقطاعية وتطورت حركة التجارة وازدهرت، وكانت أوروبا في أوج وضعها الاقتصادي والثقافي.

العصور الوسطى المتأخرة

العصور الوسطى المتأخرة هي الفترة التي تُعدّ المرحلة الانتقالية بين العصور الوسطى وبين العصر الحديث، ويقول المؤرخون إن العصر المتأخر امتد بين منتصف القرن الثاني عشر حتى بداية القرن الخامس عشر، وشهد هذا العصر بعض الأحداث المهمة والكارثية، ففي القرن الرابع عشر كانت حرب المائة عام والطاعون "الموت الأسود" وعصر النهضة الإيطالية وثورة الفلاحين، وفي القرن الخامس عشر استولت الإمبراطورية العثمانية على القسطنطينية، وقام كولومبوس برحلته إلى العالم الجديد، وقامت حروب الوردتين، وكان هناك اكتظاظ سكاني ومجاعات، وتدنت مكانة الكنيسة في هذا الوقت.

العلم والفكر في فترة العصور الوسطى

لم تكن العصور الوسطى عصورًا مظلمة من ناحية الفكر والعلم إظلامًا كاملًا، بل إن القرون الأولى التي تمثل العصور الوسطى المبكرة والتي تمتد من القرن الخامس لأواخر القرن العاشر، هي التي كانت أقرب إلى أن تكون عصورًا مظلمة، حيث تميزت الحضارة الأوروبية بالانحطاط، وانهارت المعرفة التي تركها قدماء الرومان ولم يتبقَ منها إلا القليل، واندثرت المعارف التي نقلت عن اليونانيين تقريبًا، ولم يتعلم إلا عدد قليل من الأشخاص، وضاعت الكثير من المهارات الفنية والتقنية التي كانت موجودة قديمًا، وأصبح الجاهلون يرددون الحكايات الشعبية والأساطير على أنها حقيقة.

وعلى عكس أوروبا في هذه الفترة، كان العالم الإسلامي، لا سيما في إسبانيا، يعيش حياة مزدهرة وثرية من الناحية الحضارية والثقافية، وتطوروا في كل المجالات كالطب والهندسة والرياضيات والفلك والبصريات، وانتقلت هذه العلوم لأوروبا في الغرب والصين في الشرق فيما بعد، ومع حلول القرن الحادي عشر بدأ الوضع الاقتصادي والسياسي بالانتعاش في أوروبا، وهذا ما أدى إلى انتعاش الثقافة خلال القرن الثاني عشر هناك.

الدين في العصور الوسطى

في أوروبا، لم توجد أي دولة أو حكومة استطاعت توحيد الناس كما فعلت الكنيسة، وبالتالي أصبحت الكنيسة الكاثوليكية هي أقوى مؤسسات العصور الوسطى، والتي استمد منها ملوك أوروبا وملكاتها وقادتها قوتهم من خلال تحالفهم معها وحمايتها، وفي العالم الإسلامي كان الإسلام ينمو بشكل كبير، لاسيما بعد الفتوحات الإسلامية للشرق الأوسط، حيث كان العالم الإسلامي أكبر من نظيره المسيحي ثلاث مرات خلال العصور الوسطى وترجم القرآن الكريم وتفسيراته للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

الفن والعمارة في العصور الوسطى

كثر بناء الكاتدرائيات الكبرى والكنائس والأديرة في العصور الوسطى، حيث كانت هذه المباني أكبر مبان في أوروبا في هذا الوقت، وكانت معظم العمارة التي بنيت في القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر على الطراز الرومانسكي، مثل كارتدرائية بورتو في البرتغال وكاتدرائية أسباير في ألمانيا، ومنذ عام 1200م بدأ المعماريون يتبنون أسلوب جديد في المعمار، وهو الطراز القوطي، مثل كنيسة دير سانت دينيس في فرنسا.

النظام الاقتصادي في العصور الوسطى

كان الريف في أوروبا في فترة العصور الوسطى يحكمه النظام الإقطاعي، والذي بدأ يتغير بحلول القرن الحادي عشر، حينما ازدادت حركة التجارة وتطورت، وبدأ الأوروبيون يستوردون زيت الزيتون والمنسوجات الفاخرة وغيرها، وهذا ما جعل مدن الموانئ تزدهر بصورة خاصة.