اشتهرت الصين بعمارة الجدران الدفاعية كشكل من أشكال توفير الحماية للمدن والحدود، إذ أحيطت المدن الصينية القديمة بمجموعة من الأسوار العازلة بهدف تعزيز التحصينات الدفاعية، ويُعدّ سور الصين العظيم (بالإنجليزية: The Great Wall of China) من أشهر الجدران الدفاعية عبر تاريخ العمارة الصينية وأعظمها، وهو أطول سور قديم في العالم ويمتد بشكل متعرج فوق جبال بكين من الجهة الشرقية (الشاطئ الشرقي( وحتى الصحراء الغربية بين سلاسل الجبال العالية.

يمكن تعريف سور الصين العظيم بأنه حصن واسع في الصين القديمة تم بناؤه عبر قرون عدة بدءً من القرن الثالث ق.م وحتى القرن السابع عشر ميلادي، ويمتد من شمال الصين وحتى حدود منغوليا لمسافة 21196.91 كم، ويضم في جزء منه عدة حواجز طبيعية مثل الأنهار والتلال الجبلية، إضافة إلى العديد من ممرات الخيول وأبراج المراقبة والملاجئ، ويمكن رؤية 70% من طوله الإجمالي في يومنا الحالي إذ تعرضت بعض أجزائه إلى عوامل الهدم والاندثار.

وتجدر الإشارة إلى أن المعايير المستخدمة في عمارة سور الصين العظيم جعلته أحد أهم المواقع المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو عام 1987م، إذ ينظر إليه كتحفة فنية ثقافية وطنية عسكرية مشيدة بأيدي بشرية كان لها وظيفة استراتيجية أمنية لمدة 2000 عام.

تاريخ سور الصين العظيم

يعود تاريخ سور الصين العظيم إلى فترة الربيع والخريف من 476 ق.م وحتى عام 770 ق.م  ويمتد  بناؤه في مرحلة جديدة في عهد أسرة مينغ من 1368م وحتى عام 1644م، وفيما يأتي أهم الإضاءات التاريخية حول تاريخ عمارة سور الصين العظيم خلال 2000 عام:

  • مرحلة البناء المبكر (الجدار الأولي)

خلال فترة الربيع والخريف (467-770 ق.م) وفترة الممالك المتحاربة (221-475 ق.م)، أمر الأمراء الصينيون ببناء الجدران على طول حدود المملكة لحماية الدولة وشكل هذا  الجزء البناء الأولي والمبكر من سور الصين العظيم الباقي حتى يومنا الحالي.

  • سور الصين العظيم في فترة حكم أسرة تشين (206-221 ق.م)

بعد أن قاد ملك أسرة تشين (تشين شيهوانغ) عملية توحيد الولايات، ضُمت الأجزاء الشمالية من الجدار إلى حدود الدولة مما ساعد على توسيع الحصن الدفاعي (سور الصين) ضد هجمات المغول، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفترة التاريخية شكلت بداية ظهور ملامح سور الصين العظيم كسور حقيقي، إذ بدأ يأخذ أهمية كبيرة مقارنة بالأسوار الأخرى التي تعرضت للتآكل والتفكك.

  • سور الصين العظيم في فترة حكم أسرة هان (206ق.م – 220م)

اكتسب سور الصين العظيم خلال هذه الفترة أهمية عالية إذ عززت التحصينات الدفاعية بصورة أكبر وتم العمل على إطالة مسافة السور من الجهة الشمالية، ويشار إلى أن طول السور خلال هذه الفترة بلغ 8000 كم إذ تضمن حينها العديد من الجدران الفرعية والحواجز الطبيعية والخنادق.

  • سور الصين العظيم في فترة حكم أسرة يوان (1368-1271م)

يشار إلى أن فترة حكم يوان كانت فترة ركود معماري بما يتعلق بسور الصين العظيم إذ توقف البناء تمامًا وذلك لخضوع الصين بأكملها لحكم هذه الأسرة إضافة إلى توحيد حدود الصين ومنغوليا شمالًا، مما خفف التحصينات الدفاعية إلى أدنى حد ممكن آنذاك.

  • سور الصين العظيم في فترة أسرة مينغ (1644-1368م)

أعيد بناء سور الصين العظيم خلال فترة حكم أسرة مينغ نتيجة تضخم الجيش وتمتع الدولة بالازدهار في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية، ويشار إلى أن عملية إعادة البناء هذه استمرت ما يقارب 100 عام بهدف منع المزيد من الغزو في المنطقة الشمالية، ويشار إلى أن معظم سور الصين العظيم بني في هذه الفترة.

  • سور الصين العظيم ما بعد حكم أسرة مينغ (1664م- حتى يومنا الحالي)

بعد عام 1644م تعرض سور الصين العظيم للاختراق من قبل قوات المانشو مما أنذر بقرب نهاية حكم الأسر وتوقف عمليات البناء، وبحلول عام 1911م أعلن أن سور الصين العظيم أصبح تحت سيطرة جمهورية الصين الشعبية إذ انتهت كافة أعمال البناء الخاصة به، وفي منتصف القرن العشرين (1957م) افتُتح السور للجمهور كمنطقة جذب سياحي.

تصميم سور الصين العظيم وعمارته

صُمم سور الصين العظيم وبُني باستخدام العديد من المواد التي من أهمها الطوب والألواح الخشبية والقوالب المصنوعة من مزيج من الطوب والحجر والصخور والدعائم الخشبية، ويشار إلى أن هيكل السور يختلف من مكان لآخر حسب توفر مواد البناء إضافة إلى وجود بعض الأجزاء الطبيعية فيه التي تشكل جزءً منه خاصة في المناطق الوعرة  مثل المنحدرات أو الوديان.

ويشار إلى أن الجزء الغربي من السور بُني في جزء كبير منه باستخدام التراب والطين نتيجة للطبيعة الجيولوجية للمنطقة، والذي ضم الأبواب المقوسة التي احتوت كل منها على درجات حجرية تؤدي إلى قمة البرج المخصصة للمراقبة، وغالبًا ما تضمنت هذه الأبراج مساحات خاصة للمراقبة علوية وأخرى سفلية لإطلاق النار.

وضم سور الصين العظيم أيضًا العديد من المنصات التي تتألف من طابقين أو ثلاث طوابق والتي استخدمت لتخزين الأسلحة والذخيرة، إضافة إلى احتوائها على عدة أكواخ أطلق عليها اسم بوفانج واستخدمت مأوى للجنود والحراس من العواصف.

حقائق حول سور الصين العظيم

ترتبط بسور الصين العظيم حقائق عدة وفيما يأتي ذكر أهمها:

  • يُعدّ سور الصين العظيم أطول جدار في العالم وأكبر مبنى معماري قديم وهو غير متصل في خط سير واحد.
  • يبلغ ارتفاع سور الصين العظيم 8-5 أمتار أي ما يعادل 3 أضعاف طول الشخص البالغ.
  • بني سور الصين العظيم بجهود الجنود والفلاحين المجندين قسرًا والمدنيين وأسرى الحرب.
  • لا يمكن رؤية سور الصين العظيم من الفضاء بالعين المجردة كما يزعم البعض دون استخدام أدوات خاصة.
  • استخدم غراء الأرز اللزج في عملية بناء سور الصين العظيم، وهو يتميز بقوته ومقاومته للماء مقارنة بغراء الجير العادي.
  • استخدمت مادة الزرنيخ في بناء سور الصين العظيم منعًا لتآكله من قبل الحشرات، مثل النمل، مما يجعله من الآثار المعمارية السامة.
  • سمح في الكتابة على سور الصين العظيم في عهد أسرة مينغ إذ نحتت على لبنات السور أسماء العاملين القائمين على بنائه.