
خَلّفت الدولة الإسلامية في الأندلس خلال عصرها الذهبي، وتحديدًا في القرن 18 ميلادي، أهم المعالم الإسلامية الأثرية في غرناطة؛ قصر الحمراء، إحدى القلاع الشامخة إلى يومنا هذا، المصنف ضمن مواقع التراث العالمي، والمتميز بعمارته الإسلامية التي تضم الزخارف والحدائق والنوافير والخطوط والأسقف المزخرفة والفسيفساء والبلاط الملون. من الجدير بالذكر أن قصر الحمراء يشكّل أحد مظاهر الفنون الإسلامية التي برزت بصورة عامة في الأندلس في الفترة الزمنية ما بين 913-1010 ميلادي.
تعريف بقصر الحمراء
يقع قصر الحمراء (بالإنجليزية: The Alhambra) في إسبانيا، في مدينة غرناطة غربًا، ويطلّ على ضفة نهر دارو من الجهة الشمالية ووادي السبكية من الجهة الجنوبية، وأنشئ أول الأمر على أنه منطقة عسكرية ليصبح بعدها مقرًا لملوك غرناطة في القرن 13 ميلادي، وقد أسس على يد الملك محمد بن يوسف بن نصر الملقب باسم (الأحمر).
بُني قصر الحمراء على طراز الفن المدجن (بالإنجليزية: Hybrid style) عام 1238م، إنما لم يظهر بشكله الحالي والمعروف إلا بعد القرن 14 ميلادي إذ استمر بنائه ما يقارب 100 عام حيث انتهى عام 1358م، ويشار إلى أن القصر أُنشئ على الطريقة الشائعة للعمارة الإسلامية –العمارة الأندلسية- في شبة الجزيرة الأيبيرية آنذاك.
تاريخ قصر الحمراء
تعود بدايات قصر الحمراء إلى القرن 9 ميلادي، إذ اضطر سوار بن حمدون، أحد الثوار والمحاربين اللجوء إلى حصن القصبة وإصلاحه بسبب الخلافات الأهلية في عهد الخلافة القرطبية، ليبدأ هذا الموقع بعد ذلك بالتوسع واكتساب أهمية استراتيجية، ليتم بعدها بناء قصر الحمراء في محيط هذا الموقع.
أقيم قصر الحمراء على تل يصعب الوصول إليه بسهولة في القرن 13 ميلادي ليكون حصن من حصون السلالة النصرية؛ أخر سلالة مسلمة في الأندلس، إذ استمرت في حكمها الإسلامي حتى عام 1492م. ومن الجدير ذكره أن القصر ضمّ بعد ذلك العديد من المعالم والتعديلات والتي من أهمها بناء قصر الإمبراطور تشارلز الخامس عام 1527م، إضافة إلى بناء الكنيسة في موقع المسجد الملكي.
وقبل بناء القصر، تم تعزيز الجزء القديم من البناء الذي يطلق عليه القصبة ليضاف إليه برج مراقبة والمستودعات والمخازن، وشُقت القنوات المائية من نهر دارو إلى القصر، وبعد بناء القصر، تولى كل من محمد الثاني ومحمد الثالث عمليات التطوير والتي من أهمها رفع الأسوار وبناء الحمامات العامة والمسجد الملكي.
ومن الجدير ذكره أن معظم علميات الإنشاء للقصر، التي يمكن رؤيتها في وقتنا الحاضر، ترتبط بصورة مباشرة بأحفاد محمد بن يوسف بن نصر؛ يوسف الأول في الفتره ما بين 1333-1353م ومحمد الخامس في الفترة ما بين 1353-1391م، إذ كانا المسؤولين بالدرجة الأولى عن تحسينات القصبة والقصور وتوسيع المنطقة وتوسعة الزخرفة وبناء بوابة العدل، إلا أنه وبحلول الحكم الكاثوليكي وفي عهد الملك تشارلز الخامس هُدم جزء من مجمع البناء لبدء بناء القصر الذي يحمل اسمه. وبحلول القرن 18 ميلادي تم التخلي عن القصر، وفي أثناء الاحتلال الفرنسي فُجّر جزء من القلعة، ليتم بعدها إجراء عمليات الترميم والإصلاح المستمرة إلى يومنا هذا.
يشار إلى أن قصر الحمراء في حلول عام 1492م أصبح محكمة تابعه للكنيسة وبُنيت بعدها عدة مبانٍ حول القصر بهدف إيواء مواطنين في الدولة، إضافة إلى إقامة العديد من الثكنات العسكرية وكنيسة وديرًا.
سبب تسمية قصر الحمراء
يُشير المؤرخون المسلمون إلى أن أصل التسمية آتٍ من عملية بناء قصر الحمراء والتي كانت تتم تحت أضواء المشعل، ومن ناحية أخرى يُرى أن اسم قصر الحمراء مرتبط بالدرجة الأولى بالكلمة العربية الأحمر، إشارة إلى لون الأبراج والجدران التي تحيط بالقصر، والتي تكتسب مع ضوء الشمس لونًا ذهبيًا ساطعًا مبهجًا.
أقسام قصر الحمراء
يضم قصر الحمراء 30 برجًا ضمن محيط السور البالغ مساحته 1730 مترًا و4 بوابات أساسية، إضافة إلى ما يقارب 105218 مترًا مربعًا مقام عليها العديد من المباني، والتي من أهمها:
- سكن الحاكم
- القلعة
- القصبة
- ثكنات عسكرية
- منطقة يطلق عليها اسم المدينة
من الجدير ذكره أن جميع المباني في محيط قصر الحمراء مرتبطة ببعضها البعض عبر مسارات وحدائق وبوابات، إلا أنه يمكن فصلها عن بعضها البعض في حال وجدت التهديدات باختلاف أشكالها.
يشار إلى أن قصر الحمراء يضم 3 مباني ذات شهرة عالمية والتي شكلت في وقت من الأوقات قصورًا ملكية وفيما يأتي ذكرها:
- قصر كوماريس (The Comares Palace)
يتميز قصر كوماريس بواجهته المرتفعة المقامة على 3 درجات والتي يعتقد أنها كانت تشكل مسرح خارجي قديمًا للحاكم، والذي يرتبط بفنائه ما يطلق عليه اليوم اسم محكمة مرتيلز، وتجدر الإشارة إلى أن برج كوماريس هو أكبر الأبراج في محيط القصر.
- قصر الأسود
يقع قصر الأسود على مقربة من قصر كوماريس، وقد بنيت أبرز معالمه، النافورة، في عهد محمد الخامس على النظام الهيدروليكي، إذ تتألف من حوض حجري مقام على ظهر 12 أسدًا منحوتًا من الحجر، إضافة إلى قاعة الملوك وهي مساحة طويلة ذات أقسام وأقواس تؤدي إلى سقف مقرنص مقبب (إحدى عناصر العمارة الإسلامية(، وتجدر الإشارة إلى أن الغرفة تحتوي العديد من التجاويف التي يتميز بعضها بإطلالات خلابة ومميزة، إضافة إلى لوحات جدارية تمثل حياة البلاط الملكي.
- قصر بارتال
يتميز قصر بارتال والذي يعرف أيضًا باسم (قصر بورتيكو) بأروقته الخمسة المطلة على بركة كبيرة، ويُعدّ أحد أقدم المباني في محيط قصر الحمراء.
تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه القصور شيدت في القرن 14 ميلادي وشُيّد بعدها القصر الرابع في عهد كارلوس الخامس، إضافة إلى ذلك يضم القصر المكسوار أو قاعة السفراء وهي غرفة استقبال تقع في الجزء الشمالي من مجمع القصر بالقرب من برج كوماريس، والتي أنشأت لتكون غرفة للعرش في عهد إسماعيل الأول، إلا أنها أصبحت إحدى قاعات الاستقبال في أثناء عمليات التوسعة للقصور في الثلث الأول من القرن 13 ميلادي، وتضم الفنون الزخرفية والمعمارية ذات التنوع الكبير في القصر.