تنحدر اللغة القبطية من عائلة اللغة المصرية القديمة، وسُميت بهذا الاسم لأنّ أقباط مصر تحدثوا بها قديمًا لغة منطوقة، وبعد الفتح الإسلامي لمصر حلّت اللغة العربية لغة رسمية منطوقة بدلًا من اللغة القبطية التي تحمل تاريخ عريق ضارب الجذور عبر الزمن.

 

تعريف اللغة القبطية

اللغة القبطية هي لغة أفرو آسيوية، تحدّث بها قدماء المصريين منذ حوالي القرن الثاني للميلاد، وهي تُعدّ المرحلة الأخيرة أو الشكل النهائي من اللغة المصرية القديمة، ولكن تختلف اللغة القبطية المكتوبة عن المراحل السابقة لها من اللغة المصرية في كونها استخدمت الأبجدية اليونانية، بينما استخدمت اللغة المصرية السابقة لها الكتابة الهيروغليفية أو الكتابة الهيراطيقية أو الكتابة الديموطيقية، باستثناء استعارة سبعة أحرف فقط من الكتابة الديموطيقية، واستبدل الأقباط العبارات والمفردات الدينية للمصريين السابقين بكلمات من اللغة اليونانية.

 

مراحل تطور اللغة القديمة

مرّت اللغة المصرية القديمة بعدة مراحل حتى وصلت في النهاية إلى اللغة القبطية، حيث بدأ قدماء المصريين في تشكيل لغة خاصة بهم باستخدام كلمات اللغة الهيروغليفية وأفكارها، ولكن نظرًا لصعوبتها تمّ تبسيطها لتشكيل الهيراطيقية، ومن ثمّ الديموطيقية، ولكن ما تزال هذه اللغات صعبة للعامة إلى حد كبير، وجاء التحول عندما غزت المملكة البطلمية مصر، حيث تأثرت مصر القديمة باللغة اليونانية، ومع انتشار المسيحية في نهايات القرن الثاني لا سيما في صعيد مصر، كان معظم الناس يتحدثون اللغة الديموطيقية، ولكن بسبب صعوبة ترجمة هذه اللغة لكتابة النصوص والكتب الدينية قام أقباط مصر بتطوير لغة دينية خاصة بهم في البداية، لتنتشر بعد ذلك في جميع أنحاء مصر، وهي اللغة القبطية.

 

تراجع استخدام اللغة القبطية

بدأت اللغة القبطية تشهد تراجعًا كبيرًا في استخدامها تزامنًا مع الفتوحات الإسلامية لمصر، حيث حلّت اللغة العربية محلها في جميع المجالات، وأصبح استخدام القبطية حصرًا على الكنيسة فقط، وبعد ذلك اضطر رجال الدين إلى ترجمة الإنجيل والصلوات إلى العربية، لتراجع الناطقين باللغة القبطية، وأصبحت القبطية بعد ذلك مجرد لغة تراثية غير منطوقة، على الرغم من بذل الكنيسة القبطية جهود كبيرة لإحياء هذه اللغة، من أبرزها تأسيس معهد اللغة القبطية في عام 1976 بكاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة لتدريس اللغة القبطية، ويشمل ذلك الخط والصوتيات والنحو، ولكن هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين يتقنون التحدث باللغة القبطية كإتقان التحدث بلغتهم الأم.

لهجات اللغة القبطية

قسّم العلماء اللغة القبطية إلى ست لهجات أساسية، اثنتان منها في الوجه البحري وأربعة في صعيد مصر، ويُعدّ الاختلاف الرئيسي في هذه اللهجات عن بعضها البعض في الأنظمة الصوتية، وفيما يأتي أقسام اللهجات القبطية:

  • اللهجة الفيومية: كانت تُستخدم في صعيد مصر على طول وادي نهر النيل وبوجه الخصوص على الضفة الغربية منه حتى القرن الثامن للميلاد.
  • اللهجة الأخيمية: كانت تُستخدم في مدينة أخميم المصرية القديمة، وحُفظت نصوص الإنجيل والنصوص الدينية الأخرى بهذه اللهجة.
  • اللهجة السهيدية: كانت تُستخدم في صعيد مصر في القرن الخامس للميلاد، وتُعدّ اللهجة السهيدية الأكثر شهرة واستخدامًا من بين لهجات اللغة القبطية الأخرى.
  • اللهجة البحيرية: كانت هذه اللهجة تُستخدم في منطقة دلتا النيل في القرن التاسع، وهي أيضًا اللهجة التي تستخدمها الكنيسة القبطية.
  • اللهجة الوسطى: كانت تُستخدم في المناطق الوسطى من مصر القديمة.
  • اللهجة الليكوبوليتانية: المعروفة أيضًا باسم اللهجة الأسيوطية، وقد كانت مستخدمة في جميع مناطق أسيوط في القرن الرابع.

 

5 حقائق يجب معرفتها عن اللغة القبطية

كانت اللغة القبطية تُستخدم لغة حية منطوقة من حوالي 200 إلى 1100 بعد الميلاد، ولكنها أصبحت اليوم لغة طقسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فقط، وفي ما يأتي بعض الحقائق التي ينبغي معرفتها عن هذه اللغة:

1. التوزيع الجغرافي

انحصر استخدام اللغة القبطية على مصر فقط، ولم يكن لها أي تأثير تاريخي مهم خارج مصر، باستثناء بعض الكلمات القبطية في اللغة اليونانية، والتي انتقلت إلى عدة لغات في أوروبا في وقت لاحق.

 

2. اللغة القبطية من القرن السابع إلى العاشر للميلاد

بعد دخول الفتوحات الإسلامية إلى مصر، كان على الأفراد تعلم اللغة العربية للاحتفاظ بوظائفهم الحكومية، وأدت هذه السياسة في النهاية إلى تقليل عدد الناطقين بالقبطية، وانحصر ذلك في بعض رجال الدين والفلاحين الذين لا يعملون في أي من وظائف الدولة.

 

3. اللغة القبطية من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر للميلاد

بحلول القرن الحادي عشر، توترت العلاقة بين الدولة والكنيسة للغاية، وذلك في عهد الخليفة الفاطمي أبو علي منصور أو كما أطلق على نفسه "الحاكم بأمر الله"، الذي كان يأمر بإغلاق الكنائس لفترات طويلة وفرض بعض السياسات التي أدت في النهاية إلى تراجع استخدام اللغة القبطية في معقلها الوحيد "الكنيسة"، ممّا أضعف اللغة أكثر وأكثر.

 

4. انحدار استخدام اللغة القبطية حتى القرن السابع عشر

بعد القرن الرابع عشر، بدأت الكنيسة تشهد تراجع عددي وروحي، وساعد في ذلك دخول الدولة العثمانية إلى مصر في بدايات القرن السادس عشر، فبدأ استخدام النصوص الدينية المكتوبة باللغة القبطية بالتدهور وأصبحت العربية هي اللغة المنطوقة والمكتوبة الأساسية بين الأقباط.

 

5. إحياء اللغة القبطية في القرن التاسع عشر

بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أطلق البابا كيرلس الرابع عشر من الإسكندرية حملة تحت رعاية الكنيسة لتثقيف رجال الدين والأجيال الجديدة باللغة القبطية، وأصبحت القبطية تُدرّس جنبًا إلى جنب مع المناهج الأخرى في المدارس، ولكن ذلك لم يستمر طويلًا، حيث لم يستمر تولي البابا كيرلس الرابع العرش لمدة طويلة، وبعد موته تراجعت حركة إحياء اللغة القبطية، إلى أنْ عادت واشتدت مرة أخرى في النصف الأخير من القرن التاسع عشر.

 

تُعدّ اللغة القبطية رمزًا لصمود الهوية المصرية فهي اللغة الأكثر استخدامًا من قِبل الشعب المصري لعدة قرون، بالإضافة إلى أنّ استخدامها انحصر على قدماء المصريين دون غيرهم من باقي شعوب العالم بعد أنْ شكلت آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة.