قرنقشوه (بالإنجليزية: Qaranqasho) هو تقليد اجتماعي مبهج يتم الاحتفال به في منطقة الخليج العربي خلال شهر رمضان المبارك وتحديدًا في ليلة الخامس عشر من الشهر في كل عام، إذ يخرج الأطفال بعد مُضي وقت الإفطار وصلاة المغرب في مجموعات منظمة يرددون خلالها الأغاني الشعبية الخاصة بهذا الاحتفال، ويشارك به الرجال والنساء من خلال القيام بالعديد من الطقوس والأدوار الاجتماعية.
يعرف احتفال قرنقشوه بعدة أسماء أخرى ويشكل موروثًا شعبيًا في شهر رمضان المبارك وتراثًا في منطقة الخليج العربي عامة، إذ تستخدم بعض دول مجلس التعاون الخليجي اسم قرقيعان للإشارة إلى ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، مثل الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة، ويطلق على هذه الليلة اسم قرقيعان في البصرة جنوب العراق أيضًا، بينما يعرف باسم قرقاعون في البحرين وقرنقعوه في قطر وباسم ما جينا في بغداد.
طقوس احتفال قرنقشوه
يتضمن احتفال قرنقشوه العديد من الطقوس والتقاليد والعادات التي من أهمها تقديم الهدايا والحلوى للأطفال، وتختلف الهدايا المقدمة في هذا اليوم باختلاف الظروف والأوضاع الاقتصادية والمكان والزمان، إذ أنها في السابق اقتصرت على تقديم التمر والحلوى بينما اليوم يمكن تقديم الألعاب الصغيرة والحلوى والمال، وتتنافس العديد من العائلات اليوم على تقديم ما هو أفضل للأطفال بهدف ترك أثر إيجابي على أنفسهم، ومن ناحية أخرى يعمل هذا الطقس تحديدًا على تعميق الشعور الإيجابي بشهر رمضان لما يتضمنه من فعاليات مبهجة وتكافل وتضامن ومحبة.
ومن ناحية أخرى، تظهر طقوس التواصل الاجتماعي في هذا الاحتفال جلية بارزة إذ يتنقل الأطفال في مجموعات لتقديم التحية والسلام على الأصدقاء والمقربين للحصول على الهدايا، وأيضًا يعزز احتفال قرنقشوه تعلم الأخلاق الحميدة لدى الأطفال إذ يعزز عدة قيم مثل الانضباط والتصرف بحب وكرم واحترام؛ وغالبًا ما يقود المجموعات المنظمة في هذا الاحتفال قائد ينظم شكل الحركة وطرق الذهاب والإياب ووقت الاستراحة وما إلى ذلك.
أيضًا، يتضمن هذا الاحتفال ارتداء ملابس شعبية تقلدية، فيرتدي الأطفال الزي الشعبي المتناسب مع منطقتهم في مختلف دول الخليج ويتجولون وهم يرددون الأناشيد الشعبية والأهازيج ويتلقون الحلوى من المحيط الاجتماعي من حولهم، وغالبًا ما يرتدي الأطفال الذكور الثوب الأبيض إضافة إلى النعال الشعبي التقليدي، بينما ترتدي الإناث الزي التقليدي المتميز بزخرفته وألوانه المبهجة.
*ومن أهم الأهازيج والأناشيد التي يرددها الأطفال خلال احتفال قرنقشوه في سلطة عمان: "قرنقشوه يوناس... أعطونا بيسة حلواه... دوس دوس طلع غوازيك من المندوس... حارة حارة طلع غوازيك من السحارة"، وتعني كلمة غوازيك عملة معدنية استخدمت قديمًا في سلطنة عمان وهي أصغر من البيسة، والبيسة هي العملة الأصغر من الريال العماني إذ يتكون الريال العماني من 1000 بيسة، بينما يعني المندوس والسحارة الصناديق التي تحفظ بها الأشياء الثمينة في اللهجة العمانية.
احتفال قرنقشوه بين الماضي والحاضر
كان احتفال قرنقشوه قديمًا يبدأ في الفترة ما بعد الإفطار إذ يجتمع الكبار والصغار في مجموعة واحدة مرتدين ملابسًا تراثية ومستخدمين الأدوات القديمة مثل القناديل لإنارة الطريق، وينتهي بحلول منتصف الليل وحلول وقت السحور، بينما اليوم تولت العديد من المؤسسات الاجتماعية والمراكز التجارية مهمة إحياء هذا الاحتفال من خلال إقامة الحفلات، إلا أن العديد من العائلات حتى اليوم تحافظ على هذا التقليد في العديد من المناطق إذ لا تكتفي بالاحتفالات المنظمة من قبل المؤسسات وتعد له وتحث أطفالها على الاحتفال به بشكل تقليدي؛ ويشار إلى أن احتفال قرنقشوه اليوم يحتفل به فقط في فترة ما بعد الإفطار حتى صلاة التراويح.
أصل تسمية احتفال قرنقشوه
يعتقد أن كلمة قرنقشوه أو قرقيعان أو القرنقعوه أو غيرها اشتقت من كلمة قرع أو قرعان وجمعها القرقعة وتعني دق الباب أو الضرب، إشارة إلى دق الأبواب لتقديم التهنئة والحصول على الهدايا من قبل الأطفال الصغار، أو هو الصوت الصادر عن احتكاك سطحي الصدفتين المستخدمتين من قبل الأطفال في الخليج خلال الاحتفال، وكلمة قرنقشوه أو قرقعان تعني الشيء متعدد الأصناف المخلوط، إشارة إلى الهدايا التي كانت تقدم خلال هذه الليلة المكونة من الحلوى والمكسرات والتمور المخلوطة مع بعضها البعض، ويقال قرقعة إشارة إلى صوت الأواني الذي كان يرافق الأطفال في أثناء تجوالهم في حفل قرنقشوه، ومن ناحية أخرى تشير بعض المصادر إلى أن قرنقشوه أو قرقعان تعني في الموروث الشعبي اللغوي السلة المصنوعة من سعف النخيل المتميزة بحجمها الكبير والتي تستخدم لحفظ الحلوى التي توزع على الأطفال في احتفال قرنقشوه.
الأدوار الاجتماعية في احتفال قرنقشوه
يتمتع كل من الرجل والنساء خلال احتفال قرنقشوه بأدوار اجتماعية تضفي على هذا اليوم لمسة شعبية مميزة وفيما يأتي ذكرها وتفاصيلها:
- الدور الاجتماعي للرجال والنساء
يتولى الرجال والنساء مسؤولية إعداد الهدايا والأطعمة الشعبية وشراء الحلوى والسكاكر والمكسرات (الحمص أو النخي والفول السوداني والتين المجفف والجوز وغيرها) وإعداد الملابس للأطفال، ويتولى الرجال بشكل خاص مسؤولية التنقل من مكان لآخر بهدف الاجتماع مع الأهل والأقارب، بينما تتولى النساء مسؤولية إعداد الطعام. ويعد هذا الاحتفال حدثًا مناسبًا وفرصة ملائمة للاجتماع والاحتفال الجماعي، وتقطع العديد من العائلات المسافات الطويلة لحضور فعاليات هذه الليلة، وما بعد الساعة العاشرة ليلًا -تزيد أو تنقص- يقوم الرجال والنساء بتقديم الأطباق التقليدية الشعبية الرمضانية ويتناولونها معًا، وتلتقط العديد من الصور التذكارية في أثناء ذلك.
- الدور الاجتماعي للأطفال
يقع على عاتق الأطفال الدور الأكبر في قرنقشوه إذ يعدون العنصر الأساسي للاحتفال، فيطوفون البيوت ويلقون التحية ويجمعون الهدايا والحلوى حيث تمتلئ الشوارع بمسير جماعي من الأطفال الذين ينتقلون من بيت لآخر، ومن جانب آخر يقوم الأطفال خلال التجوال بترديد الأناشيد كجزء أساسي من دورهم الاجتماعي في هذا الاحتفال.