من المعروف أن القبائل في جميع أنحاء العالم لديها عاداتها وتقاليدها الخاصة، وهذه الثقافة يتوارثها أفراد القبيلة من أسلافهم على مر العصور دون تغيير فيها، ولعلك شاهدت أو قرأت في أحد البرامج التليفزيونية أو المجلات بعضًا منها، وتميل بعض القبائل إلى الغرابة الشديدة في طُرق حياتهم وأساليبها، ومنها قبيلة "التوراجا" التي تعيش داخل جزر إندونيسيا وتُعدّ أحد أغرب القبائل في العالم.

أهم ما يميز التوراجا

قبيلة التوراجا من أكبر القبائل في شرق آسيا ويفوق عدد أفرادها الثلاثة ملايين نسمة، ويتمركزون في جبال جنوب سولاويزي، وهي أكبر جُزر  إندونيسيا وتُعدّ وجهة سياحية جذابة، ويعيشون مع جميع أفراد الأسرة في منازل ملونة ذات أسقف مزخرفة بشكل مميز، وترتفع فوق قمم الأشجار وسط المناظر الطبيعية المورقة من الغابات والتلال الخضراء الخلابة.

ولديهم عادات وتقاليد تميزهم عن باقي القبائل التي لا تزال تعيش الحياة البدائية، ومن أبرز تلك التقاليد الاحتفاظ بالموتى داخل منازلهم، حيث يقدمون لهم المأكولات والمشروبات ويقومون بتنظيف ثيابهم والمواظبة على تعطيرهم ليبدوا في أفضل حال. 

يعتنق بعض التوراجيون فكرة أن الأموات لم يرحلوا أبدًا بل ينتقلوا من جسد لآخر. ووفقًا للأسطورة المحلية، فإن هذه الطقوس متجذرة في قصة صياد يُدعى "بونغ روماسيك"، الذي عثر قبل مئات السنين على جثة مهجورة في غابة توراجا واعتنى بها ونظفها وألبسها ثياب جديدة، و منذ ذلك الحين، قيل إنه نال حظًا سعيدًا وكانت حقوله تنتج محاصيل وفيرة.

ديانة مجتمع التوراجا

على الرغم من أن إندونيسيا هي أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، فلا يعتنق إلا عدد صغير جدًا، ويكاد لا يذكر، من التوراجيين الإسلام، ويعتنق الدين المسيحي مُعظم أفراد التوراجا، وعلى الرغم من ذلك فإن مجتمع قبائل التوراجا الديني غير متجانس على الإطلاق، فهو يشمل أيضًا الديانات التقليدية الوثنية، وما يزال يعتقد معظمهم أن الآلهة موجوده في أشياء مادية وأخرى غير مادية كالحيوانات.

كيف يحتفظ التوراجا بجثث الموتى؟ ولماذا؟

السؤال الأول الذي سيحضر إلى ذهنك هو كيف تحتفظ قبيلة التوراجا بجثث موتاهم دون أن تتعفن، والإجابة هي أن أفراد التوراجا يستخدمون مادة "الفورمالديهايد" المخلوطة بالماء في طلاء جسم الميت بالكامل وتترك الجثة في الشمس حتى تجف، وهذه العملية والتي تشبه التحنيط تحفظ الجلد والأنسجة من التحلل أو التعفن، وفي الفترة ما بين وفاة الشخص ودفنه، تُقرأ آيات من الكتاب المقدس يوميًا، ويُعتقد أن طقوس موت التوراجا بدأت لأول مرة في العام التاسع الميلادي.

وبالنسبة للتورجانيين، فإن الجسد المحفوظ جيدًا يجلب الحظ السعيد والحياة المريحة، لذلك تبذل الأسرة جهودًا كبيرة جدًا لضمان بقاء أولئك الذين ماتوا في أفضل حالة ممكنة.  

كيف يتعايش التوراجيون مع الموتى في منازلهم؟

في حين أننا ننظر إلى الموت بنظرة غير مبهجة وحزينة في ثقافتنا، فإن العكس هو الصحيح بالنسبة لشعب التوراجا في إندونيسيا؛ فجميع أفراد قبيلة التوراجا يتعلمون منذ نعومة أظافرهم التعامل مع جثث أسلافهم الموتى والتعايش معهم كجزء من ثقافتهم، وبالنسبة لهم، الموت ليس شيئًا مرعبًا أو مخيفًا، ولكنه جزء أساسي من الحياة، لذلك يقومون بتلك الطقوس التي تتمثل في عناية الميت عناية فائقة لمساعدته في العبور للحياة التالية، فهم بالنسبة للتوراجيين مخلوقات سماوية هبطت لهم من أجل إسعادهم وحمايتهم.

الجنازات في قبيلة التوراجا

الجنازات ومراسم الدفن هي الشغل الشاغل لشعب التوراجا، وليس مبالغة أن نقول إنها أهم من متطلبات حياتهم كالزواج والطعام، وهي مكلفة جدًا بشكل مبالغ، فقد تصل إلى نصف مليون دولار أمريكي (وذلك حسب مكانة كل متوفي)، حتى أن الرجل قد يؤجل الزواج إذا علم أن عروسه المحتملة لها قريب قد يموت قريبًا خوفًا من المشاركة في التكاليف الباهظة.

وتستغرق تحضيرات الجنازات شهورًا وتُقدم فيها عشرات القرابين التي تتمثل في الجواميس والخنازير، وفي غضون ذلك، تبقى الجثث في منازل عائلاتهم وتُخصص أفضل غرفة في المنزل لهم، ويغير أحباؤهم ملابسهم ويقدمون لهم الطعام والشراب يوميًا كما ذكرنا سابقًا، وينظفونهم من الحشرات ويبعدون الذباب عن جلدهم وحتى أنهم يقدمون لهم السجائر، ولا يُعدّونهم موتى حتى ينتهي دفنهم.

وعندما يتم جمع مبلغ مناسب من المال ويتم الاتصال بكل قريب، تبدأ الأسرة في الاستعدادات للجنازة والدفن، وتتم عملية دفن الجثث بعد فترة كبيرة من الزمن اعتقادًا منهم أن تأخر الدفن يساعد في الحزن بشكل أكبر، ويُحدد ميعاد الدفن من قِبل ذوي الموتى وقد يكون بعد أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، وتعتمد على مدى جاهزيتهم لفراق الجثة وحالتهم المادية.

ففي تقرير بُث على مجموعة قنوات ناشيونال جيوغرافيك، قالت امرأة من قبيلة التوراجا "ماتت والدتي فجأة، لذلك نحن لسنا مستعدين بعد للسماح لها بالرحيل، ولا يمكنني قبول دفنها بسرعة كبيرة".

طقوس ما بعد دفن الموتى

حتى بعد دفن الموتى في ضريح أو قبر حجري، لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يواجه فيها أفراد التوراجا أقاربهم الموتى وجهًا لوجه؛ ففي طقس غريب آخر يُسمى "رعاية الأجداد" يتم إخراج الجثث من قبورهم كل عام من أجل تنظيفهم وتعطيرهم وإلباسهم ثياب جديدة، وبعد كل ذلك يتم الاحتفال بهم والتقاط الصور التذكارية مع الموتى، في حدث قد يكون مُخيف لنا، ولكنه بالنسبة لهم عيدًا وفرصة لتعرف الأجيال الصغيرة أسلافهم الذين ماتوا قبل ولادتهم، وبعد انتهاء الاحتفال تُرجع الجثث إلي ضروحها مع بعض من الهدايا.

"يعتقد أفراد قبيلة التوراجا أن الأرواح ستكافئهم إذا كانوا يهتمون بأسلافهم جيدًا".

أشكال المقابر عند التوراجا

في اليوم الأخير من الجنازة، يُنقل الجثمان إلى مثواه، وهنا لا نستطيع أن نقول "الأخير"، وهو عادة ما يكون قبر منحوت في جبل أو برج جنازة موروث، ويصل ارتفاع هذه المقابر إلى 100 قدم فوق سطح الأرض ويتم بناؤها بواسطة متخصصين في هذا الشكل من البنايات، حتى أنهم لا يستخدمون أي من معدات الأمان.

وكما هو الحال مع الجنازات، فإن شكل  القبر وارتفاعه يجب أن يعكس الحالة الاجتماعية والمادية للمتوفى.

في الأخير، لا تزال مجموعة التوراجا العرقية تقدس ثقافتهم الموروثة وترتبط حياتهم الاجتماعية بالعادات السائدة، مما أدى إلى استمرار وجود هذه الطقوس، ولا يزال الناس يتبعون القواعد التي تم تطبيقها من جيل إلى جيل عند أداء طقوس الجنازة.

وقد يبدو أن هذه العلاقة الحميمة بين الأحياء والأموات منحرفة جدًا إذا نظرنا لها من منظور الثقافات الأخرى، وعلى النقيض من ذلك، فإن التخلي عن كبار السن والعدد الهائل من دور المسنين  التي يتم الاستعانة بها من أجل رعاية كبار السن قد يصدم أفراد قبيلة التوراجا أيضًا.