الساكاس أو الساكا أو الساكاي أو الشاكا، كلها أسماء تصف مجموعة من البدو الإيرانيين الذين كانوا يعيشون قديمًا في شمال وشرق السهوب الأوراسية وحوض تاريم، حيث هُجر العديد منهم بواسطة شعوب اليويشي إلى السهوب في بلاد الصغد وباختريا، ومن ثم إلى شمال غرب شبه القارة الهندية، وكانوا يعرفون حينها باسم الهنود السكثيون، بينما نجد أن بعض الساكاس الآخرين غزوا الإمبراطورية البارثية أو الفرثية، ليستقروا في أرض سيستان، ويهاجر البعض منهم إلى مملكة ديان القديمة، وكانت هذه الشعوب تتحدث اللغات الإيرانية الشرقية.

أصل الساكاس وتاريخهم

كان الساكاس جماعة من الشعوب الإيرانية الذين شكلوا –بحسب كلام المؤرخ الفرنسي رينيه جروست– فرع من فروع عائلة السكيثو سارماتيان، والتي نشأت من مجموعة من البدو الإيرانين في المنطقة الشمالية الغربية لسهوب أوراسيا، ويمكننا تتبع أصل الساكاس إلى حضارة أندرونوفو، وتقول السجلات التاريخية والأثرية إن الساكاس يعود تاريخهم إلى القرن الثامن قبل الميلاد، بحسب النقوش الفارسية التي اكتشفوها في برسبوليس، والتي يمكن إرجاع تاريخها للعصر الأخميني لعهد داريوس الأول الذي حكم من 522 إلى 486 قبل الميلاد، وتشير السجلات الصينية القديمة أن الساكاس أو الساكاي كانوا يسكنون في الأصل قيرغيزستان وكازاخستان، وكانت هذه المنطقة معروفة باسم أرض السكا، واكتشف العلماء وجود للساكاس في منطقة حوض تاريم في بداية القرن السابع قبل الميلاد، واستطاعوا تأسيس ولايات في تاريم وبارين بحلول نهاية القرن الثاني قبل الميلاد.

وطرد الساكاس على يد اليويشي من وديان نهر إيلي وتشو، فاتجهوا جنوبًا إلى بامير وشمال الهند ليستقروا في كشمير، واتجه البعض منهم شرقًا نحو بعض مواقع حوض تاريم، ثم احتلوا بين عامي 133 إلى 132 قبل الميلاد بلاد باختريا، ويقال إن الساكاس استقروا في منطقة تدعى درانجيانا، والتي تقع الآن في جنوب أفغانستان وغربي باكستان وجنوب إيران، وأطلق على هذه الأرض اسم الساكاستان أو السيستان على اسمهم، ومن هذه المنطقة توسعوا إلى أراضي إيران وشمال الهند وأسسوا لهم عدة ممالك، وبسبب الضغوط العسكرية التي تعرضوا لها من قبل اليويشي هاجر بعضهم من باختريا إلى بحيرة هلمند "حامون"، واستقروا في درانجيانا والمناطق المحيطة بها، وما تزال هذه المنطقة تعرف حتى الآن باسم سيستان.

وبدأت إمبراطورية الساكاس في الانهيار والتدهور بعد هزيمتهم على يد إمبراطور ساتافاهانا الذي يدعى جوتاميبوترا ساتاكارني، وانتهى حكم الساكاس في شمال الهند وباكستان عام 12 قبل الميلاد بعد وفاة أزيس الثاني، حيث أصبحت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية الكوشانية، أما انتهاء حكمهم وسيطرتهم في غرب الهند فلم تحدث إلا بحلول القرن الرابع ميلاديًا، بعد أن هزم رودراسيمها الثالث آخر حكام ساترابس الغربية على يد شاندرا غوبتا الثاني الذي ينتمي لسلالة غوبتا.

أرض الساكاس

السيستان أو كما كانت تعرف في العصور القديمة باسم الساكستان أو أرض الساكاس، هي منطقة جغرافية أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى شعوبها التي كانت تعرف باسم الساكاس، وهذه المنطقة توجد حاليًا في شرق إيران، تحديدًا مقاطعتي سيستان وبلوشتان، وفي جنوب أفغانستان، تحديدًا نيمروز وهلمند وقندهار.

لغة الساكاس

يتحدث الساكاس لغة الساس والتي تنحدر من لغات المجموعة الإيرانية الشرقية، وهي لغة تستعير الكثير من الكلمات من اللغات الهندية الآرية الوسطى، وتشترك مع ما تحتوي عليه اللغات الإيرانية الشرقية الحديثة.

المظهر العام للساكاس

تقول التحليلات الفيزياية إن شعوب الساكاس التي كانت موجودة في أقصى الشرق، كانت تغلب عليهم السمات الأوروبية والسمات الأورو منغولية المختلطة، وكان هذا يختلف حسب الموقع والفترة، وقال تاشنغ تشيان المبعوث الصيني في القرن الثاني قبل الميلاد إن شعوب الساكاس لهم عيون زرقاء وشعر أصفر، ووصفهم المؤلف الروماني بليني الأكبر بأنهم ذوي شعر أحمر وعيون زرقاء وذلك في القرن الأول الميلادي.

ثقافة الساكاس

يمكننا توضيح أبرز السمات الثقافية للساكاس في ضوء النقاط الآتية:

الفنون

تميز الساكاس بفنونهم لا سيما في مجال تصاميم المجوهرات والتيجان الملكية ورسم اللوحات والمجال العسكري، وكانوا حرفيين على مستوٍ عالٍ وماهرين في استخدام الخيول والأسلحة، وهذا ما وجد في مقابرهم التي أشارت إلى طبيعة مجتمعهم العسكري، وأتقنوا رماية القوس والسهام.

الملابس

كان الساكاس يرتدون السراويل الطويلة التي تغطي الجزء العلوي من الحذاء ويضعون فوق أكتافهم وشاح طويل، بجانب أن إحدى قبائل الساكاس كانوا يرتدون القبعات المدببة بحسب ما وصف المؤرخ هيرودوت، وتميزت القبعات بأنها مزخرفة بالنقوش المميزة والقطع المعدنية، بالإضافة إلى أن نساء الساكاس كانوا يرتدون نفس أزياء الرجال ويحملن الأسلحة ورؤوس السهام والفؤوس مثلهم، وكانوا يرتدون الملابس من الصوف والحرير واللباد والجلود، وكان الرجال والنساء يرتدون المعاطف من الفراء واللباد، والتي كانت ذات أكمام طويلة ومفتوحة ومحشوة.

الدين

يمكن تتبع تاريخ دين الساكاس إلى المعتقدات البوذية بحسب ما وجده الباحثون من نقوش، وكان الساكاس متأثرين بالديانات الإيرانية واليونانية والهندية، ويظهر هذا في تماثيل الآلهة اليونانية والهندية التي تم اكتشافها لديهم، وكان يشتهر عند الساكاس عادة تعدد الأزواج الأخوي، وكان هذا حلال من الناحية الدينية لديهم، حيث كان لنفس الأخوة زوجة واحدة فقط، والأطفال الذين تنجبهم كانوا كلهم ينتمون إلى الأخ الأكبر، ويقال إن لأراضي سيستان "أرض الساكاس" علاقة قوية بالزرادشتية أيضًا، حيث كانت بحيرة هامون خلال العصور الساسانية واحدة من موقعين للحج لأتباع هذا الدين، وبحسب التقاليد الزرادشتية فإن هذه البحيرة هي حامية بذرة زرادشت، حيث أنهم يؤمنون أنه قبل التجديد النهائي للعالم سوف تدخل ثلاث بنات عذراوات للبحيرة، كل واحدة منهم سوف تلد الساوشيون الذين سينقذون البشرية.